كان يا مكان يا سعد يا اكرام ..هما مين سعد
واكرام دول بالمناسبة؟؟ مش عارفة..ما علينا، منذ حوالى عام، فى رمضان الماضى تلقيت
مكالمة هاتفية من أحد الأصدقاء "وراكى ايه النهاردة؟" "ولا أى
حمادة، ومبردش على الاسئلة دى قبل الفطار" "طيب يلا، احنا رايحين شبرا،
وهنعدى عليكى كمان ساعة"
وكانت هذا هى بداية الحكاية، قرر مجموعة من
أصدقائى أن نفعل شيئا مختلفا ذلك العام، وهى أن نبعد عن مستشفى 57357 ودار
الأورمان ورسالة، و غيرهم من منظمت يستطيع الكثيرون الوصول اليها بسهولة، وبالفعل
قاموا بالاتصال ب140 دليل وسألوا عن دور المسنين فى منطقة شبرا، تلك التى لا يسمع
عنها أحد، المهم، أخذوا العنوان اتفقنا على التقابل فى نقطة تجمع، وبدأنا من هناك،
قمنا بشراء وجبات الافطار واتجهنا ال شبرا.
دار المسننين الذى ذهبنا اليه كان فى عمارة من
عمارات شبرا القديمة، الشقوق وجدت طريقها الى معظم جدران المنزل، السلالم مكسّرة،
كان للمنزل رائحة غريبة، لم أفهم كيف لمنزل من المفترض أنه لرعاية المسنين، يحتاج
لرعاية فى الأساس.
قسمنا انفسنا الى مجموعات، كل يتولى مجموعة من
المسننين، والحقيقة اننى لم أكن أتخيل ان حالهم بهذا السوء، قابلت هناك سيدة اسمها
أحلام فى الخامسة والسبعون من عمرها، كرمشة جلدها كانت تعكس العمر الذى عاشته تلك
السيدة، جسدها هزيل، وكل من حاستى النظر والسمع
أقل من بعضهما.
لم أكن أتخيل أن أول ما ستسألنى عنه أحلام هو ما
اذا كان معى هاتف أم لا، فجاوبتها نعم؟ ولكن لماذا تحتاجين الى هاتف، ده احنا فى
رمضان و انتى ست صايمة رغم كبر سنك،، فكان ردها صادم بالنسبة الى.."أريد أن
أسأل على ابنى" فضلت بصالها شوية مش عارفة أرد، فنعم لقد سمعنا كثيرا عن جحود
الأبناء وعقوق الوالدين، وغيرها من تسميات لسوء العلاقة بين الآباء والأبناء، ولكن
أن تحضر موقفا مثل هذا، أن ترى دموع سيدة تكاد تراك، أن تشعر بالانكسار فى نبرة
صوتها، دى احساس آخر.
سألت أحلام عن رقم تليفون ابنها، واتصلت به
وأعطيتها الهاتف بمجرد رده، ولم تستغرق المكالمة، أيوا يا ابنى، أنا أمك، وانتهت
المكالمة عند هذا، فلقد أغلق محمد الهاتف بوجهها، وأوهمتها أنا أن هناك عطل
بالشبكات أو ربما العيب فى تليفونى أنا..فنظرت الى بابتسامة قائلة "اللهى
يجبر بخاطرك..ممكن أحضنك؟" وبكت أحلام.. طبعا مش عاوزة أبقى دراما أكتر من
كده، ولكن هذا ما حدث بالفعل.
فطرنا أنا وأحلام مع بعض بعد أن أذن الاذان،
وأنهت تلك السيدة الحديث بينى وبينها "أنا عارفة انك مش هتيجى تانى زى ما
بتقولى، كل اللى بيجى بيزورنا بيقولنا انه هيجى ومش بييجى تانى" فرديت عليها
رد أراه من أغبى الردود اللى رديتها فى حياتى "طيب قوليلى انتى محتاجة ايه؟
أنا هسيب معاكى فلوس عشان لو احتاجتى حاجة تقدرى تجيبيها لنفسك" وبس ياسيدى،
مديت ايدى فى شنطتى وبطلع الفلوس، قامت أحلام قافشة فى ايدى جامد ولم أعرف كيف أتت
بهذه القوة وقالت لى "خلى فلوسك معاكى يا بنتى..احنا اللى فى سننا مش محتاج
فلوس..سؤالك كفاية".
خلاصة القصة، حلو اننا نتبرع بفلوس من وقت
للآخر، ولكن أن نذهب بأنفسنا ونعطى جزء من وقتنا لمن هم فعلا بحاجة اليه أهم من
ذلك بكثير.
ثانيا، أذكر نفسى بهذه القصة كلما حدث خلاف بينى
وبين أحد والدى، وأضعهما مكان أحلام، فبمجرد تخيلى للصورة، أشعر بالخذلان لتشاجرى
معهم واعطائى فرصة لضغوطات الحياة أن تكون
سببا فى التحامل عليهما لدرجة أن نصل فى يوم ما الى ما وصلت اليه أحلام وابنها
ثالثا، بما انه مرحب شهر الصوم مرحب وكده، فمن
الممكن أن نستغل فترة ما قبل الافطار وأن نبحث على من هم مثل أحلام، ربما نكون سببا
فى ترك ابتسامة على وجهها أو نذكرها بأنها مازلت على قيد الحياة وأن هناك من يسأل
عنها