Saturday, April 27, 2013

الشيف البرادعى

منذ عدة أيام، قابلت شيف لبنانى يدعى رؤووف البرادعى، رجلا فى الرابعة و الستون من عمره، تركت علامات الزمن آثارها فى كل تجعيدة من تجاعيد وجهه. ابتسامته وحدها كفيلة أن تخبرك الكثير عن حبه للحياة و تفاؤله بها. بمجرد الحديث معه، ستستطيع قراءه شغفه الشديد بمهنته وسط سطور كلماته، و ما أن تسأله عن أى وصفة من وصفاته، سيبهرك بسرعة رده و تسهيله للأمور و كيف أن كل شيئا ممكنا.
أخذنا نتبادل أطراف الحديث عن البلاد التى سافر اليها، و انتهى بنا الحال للحديث عن مصر و لبنان و أحوالهما سياسية كانت أو اجتماعية.
و بمجرد أن بدأ حديثه عن مصر، سيطر الحماس على حديثه، لدرجة أنك ستستطيع الشعور بحماسه الشديد من حركه يديه، طبقة صوته، لمعة عينيه، عدم ايجاد الكلمات المناسبة لوصف مصر فيصمت لثوانى ثم يكمل حديثه مرة اخرى و غيره.
فهو يتردد على مصر منذ عدة سنوات، و من هنا بدأ ادمانه لهذا البلد التى لم يولد بها و لكنه شعُر أنه واحد من أبنائها، لدرجة أنه قرر أن يبحث وراء عدم وجود منيو للأكل مصرية 100%، و قابل الكثير من المصريين باحثا عن ردا لأسئلته، فلم يجد حتى ضالته عند علماء الآثار، ربما هناك بالفعل هوية للأكل المصرى و لكن تاه الكثيرون فى تحديدها، و استغربت أنه حتى الشيف اللبنانى بيرجع للفراعنة لتحديد هويتنا، و الحقيقة أننى لم أستطع أن أفعل شيئا أمام شعوره بالاحباط لانه لم يستطع أن يحقق ما أراد و هو تحديد هوية الأكل المصرى و منها كتابة منيو للأكل المصرى.
و لم أجدها صدفة أن هذا الشيف يدعى البرادعى، فنحن أيضا عندنا البرادعى، رجُلا فى السبعون من عمره، سياسى، عنده نفس الابتسامة المريحة، و عدد لا بأس به من التجاعيد، و بمجرد حديثه عن مصر و عن أحلامه لمصر و مستقبلها ستشعر أيضا بالحماس و ستجد نفسك دون أن تشعر حالما معه. بل و أنه يعيش بنفس المبدأ، أن كل شيئا ممكنا، طالما نستطيع أن نحلم به.
و استوقفنى التشابه الشديد بين شخصية كل من الاثنين، بل و حلم الاثنين، فبغض النظر عن اختلاف مجالتهما، فكل منهما جعل تحديد الهوية المصرية هدفا، مع أن الاثنان قضوا معظم حياتهم خارج مصر.
و لكن مستغربتش  أن الاثنان تاها وسط رحلة البحث، لأننا أصلا كمقيمين فى فى مصر لا يخطر ببالنا مثل تلك الأشياء المتعلقة بالهوية، و لو حصل مبنمسكش فى الفكرة كتير، لأنه حتى لو فى منييو للأكل مصر، احنا هنروح ناكل سوشى، أو هندور على أحسن مطعم هندى، و يا سلام لو فى مطعم لبنانى فتح جديد، هنجرى وراه عشان "الأكل اللبنانى أطيب من أى شى تانى"، حتى أمهاتنا بقوا بيتفننوا فى أكلات البيت انها تبقى من المطبخ الأيطالى، أو الاسيوى و غيره من الأكلات اللى طلعت موضة مؤخرا.
أما حلم التغيير بتاع البرادعى السياسى ، أبهرنا و صدقناه، لأ و كمان عشناه،  لكن نفسنا قصير، أو ممكن نكون زهقنا من اللى وصلتله البلد، "و رجعت ريما لفكرة هجرتها القديمة" و أصبح الكثيرون من المؤمنين بالبرادعى و حلم التغيير هم أول الباحثين عن فيزا الهروب الى خارج الحدود.
ربما المشكلة ليست فى البرادعى الشيف أو السياسى، المشكلة يا برادعيون فى هذا الشعب، فإن قرر أن تتحدد هويته،|ستجدون ضالتكم، سواءا كان فى منيو الأكل المصرية أو بناءا نظاما مصريا لا يسعى الى محو الهوية المصرية المختبئة وراء لحية الآن.

No comments:

Post a Comment