لقد نشأت فى
اسرة تؤمن بحرية الرأى، و بأن كل فرد فيها له كيانه الخاص به، بل و له الحق فى
اختيار شكل حياته و دراسته مرورا بطريقة
اختيار ملابسه.
رأيت كيف يحترم
والدى خصوصية كل منهما و منها خصوصيتنا و بأنه لنا الحق فى أن تكون لنا أسرارنا
الخاصة بنا بل و عالمنا الخاص الذى يندرج تحته كيفية اختيار أصدقائنا، نوع
دراستنا، كيف سنختار شريك حياتنا و أنه لا مانع من أن نعيش تجارب عاشها أباؤنا لأن
ربما تتغير النتائج بتغير الأشخاص و غيرها من أشياء كثيرة لنا الحق فى اختيارها
لكى تكون جزء من عالمنا الذى سنحيا فيه بل و ستساعدنا أن نحيا من الاساس.
نشأت فى بيت
يؤمن بمبدأ، اذا كان للمنزل اساسا قويا، فبإمكانك فتح نوافذه دون الخوف من أى
عواصف قد تمر به، فلقد تربينا على أُسس و مبادئ تناسب البيئة المحيطة لنا، أو هكذا
ظن والدى فلم يشعرا بالخوف أبدا لثقتهم فى كيف سنتصرف اذا واجهنا أى موقف.
و بدأت تتكون
شخصيتى بناءا على ما زرعه والدى فى، و بدأت أتصرف طبقا للمبادئ الى تربيت عليه و بناءا
على طريقة رؤيتى للحياة، فإذ بى أصطدم يوميا بأن معظم ما تربيت علية لا يتماشى مع
مبادئ مجتمعنا؛ فلا المجتمع لا يتقبل فكرة
أن تكون لى شخصية قوية، أو أن أكون صاحبة رأى، فأرى فى عين الكثير نظرة الاستعجاب
أو الترقب لتصيد الاخطاء، فى البداية كنت أعتقد أن هذه مجرد ظنون و أنه لا داعى
لتطبيق مبدأ "نظرية المؤامرة" و لكن مع الوقت اكتشفت أن المجتمع يصنف كل
صاحب رأى أو شخصية قوية بالجرأة و انعدام المبادئ و أنه شخصية مُنتَقدّه دائما
لانها شخصية مُنتقِدة لما حولها، فإن تمردت على واقع لا تقبله فأنت عدو و لست من
بقية القوم.
إن لم أقبل
التدخل المستمر من قِبل كل من حولى فى حياتى، بل و محاولتهم المستميتة فى فرض
طريقة رؤيتهم للحياة لكى تصبح رؤيتى هى أيضا، فلن يقبلنى المجتمع. لأنه كل فرد
ستقع عينه على أو سيمر فى حياتى، لابد و أن يعتبرنى ملكية خاصة، و أن له الحق فى
تشكيل شخصيتى كيفما يرى، لأننى مهما مررت بتجارب أو أيا كانت رؤيتى للحياة فهى
دائما خاطئة طبقا لمفاهيمهم بل و أحتاج التقويم من جديد و هذا يتنافى تماما مع ما
تعلمته، فأنا من حقى أن يكون لى عالمى الخاص كيفما أرى، طالما لم و لن أضُر أحد.
أما عن التجارب و
عن كونها هى الفيصل و أن من خلالها سأكتسب الخبرة للحكم على الاشياء فيما بعد،
فطبقا للمجتمع "التجارب أصلا حرام"، و خاصة عن كونى بنت فكل شئ بحساب
حتى التجارب و كأنما من حولى هم من سيتحملون نتيجة أفعالى، فعلى سبيل المثال دائما
ما يطرح المجتمع سؤال كيف أن تسافر بنت
وحدها دون أهلها أو زوجها و أنه اذا ما سافرت البنت وحدها فكأنما هذه فرصة لها لكى
تنحرف و و كأنما هى فى انتظار أن تعبُر الحدود لكى تفجُر، و هذا أيضا يتنافى مع ما
نشأت عليه من أن السفر من أن أهم التجارب التى ستضيف لى كشخص ليس فقط من رؤية ما
هو جديد، بل الاختلاط بثقافات ربما تتشابه أو تختلف مع ثقافتى و لكنها بالطبع فيها
ما قد يضيف اليها بل و دائما ما كان يشجعنى والدى على السفر.
و الكثير و الكثير
عن مجتمع معالمه مازالت مجهولة ربما لتوهانه أصلا فى تحديد هويته، و لكن ما علمته
من هذا المجتمع أننى فى نظره فى كثير من الاحيان "متربتش". أنا متربتش و
لكنى أفتخر بذلك.